'طيب بنبلش بي هي فوضى لم يكن لظهور تلك اللوحة التي تطالعك في أول كادر من فيلم "هي فوضي" من تأثير علي كثير من المشاهدين، إلا أنها أصابتهم بالاستفزاز، ودعتهم للسخرية منها، وممن طلب وضعها في بداية تترات الفيلم، سواء كانت بطلب من وزارة الداخلية، أو الرقابة علي المصنفات الفنية.
اللوحة الساذجة تؤكد أن ما سوف يرد في الفيلم من فساد وتعذيب ونهب علي أيدي ضباط وأمناء شرطة ومخبرين وزارة الداخلية، ما هو إلا حالات فردية، لا تمس سمعة مؤسسة الشرطة الطيبة العظيمة التي يعرفها الناس.
فإذا كانت علاقة الشعب المصري بوزارة في حجم وزارة الداخلية، وتعدد صور تعامل المواطنين معها يوميا، هي صورة طيبة وعلاقة حميمة، فما الداعي لهذا التنويه وما الحاجة إليه في بداية الفيلم؟
هناك شيء من اثنين، إما أن من طلب وضع هذه اللوحة، يخشي أن الناس تُسقط ما سوف تراه في الفيلم علي كل العاملين بوزارة الداخلية، وهو في هذه الحالة غير متأكد ولا يثق في مشاعر الناس تجاه هذه الوزارة، وهنا لابد أن نسأله عن أسباب عدم ثقته في مشاعر المواطنين تجاه الداخلية؟ أو أنه يريد أن يقول، إن هناك ضباطا وأمناء ومخبرين آخرين لم يتورطوا في هذه الممارسات، وهنا أيضا يمكن الرد عليه بأنه أليس هذا شيئا طبيعيا، أن يوجد آخرون لم تتلوث أيديهم بانتهاك حرمة أبناء بلدهم؟
عموما لم تكن هذه هي المرة الأولي التي نري فيها مثل هذه اللوحة في بداية عدد من الأفلام المصرية، والتي تحمل تنويها ما للتوضيح، خاصة تلك التي تتناول موضوعات أو شخصيات سياسية.
فيلم "هي فوضي" والذي كتبه صديقي ناصر عبد الرحمن، ورأيته وهو مازال طالبا يحلم بكتابة أفلام سينمائية تحقق نجاحا جماهيريا، وتابعت محاولاته بعد التخرج والتي كان منها فيلم "المدينة" مع المخرج يسري نصر الله، إلي أن أتي اليوم الذي يعمل فيه مع المخرج الكبير يوسف شاهين، ولناصر عبد الرحمن أن يفرح ويفخر بمشواره السينمائي القصير، والذي استطاع خلاله أن يلفت الأنظار إليه ويضع بصمته الخاصة ككاتب سيناريو متميز.
تأتي أحداث الفيلم بما تتضمنه من عناصر فنية لتضغط عليك بمشاهدة سلوكيات تسمع عنها وتعايشها وتعاني منها يوميا عن انتهاكات من الشرطة، إلي أن تنتهي الأحداث بأن ينال هؤلاء المجرمون جزاءهم.
وبالرغم من أن الفيلم السينمائي يتكون من مجموعة عناصر فنية، تعمل في مجموعها، ومن خلال إدارة المخرج لها، علي توصيل موضوع الفيلم، بأقوي وأجمل صورة ممكنه، وهو ما يجعل الناقد السينمائي يتأثر، ويتحمس لتناول هذه العناصر بالعرض والتحليل، خاصة إذا كان مخرج الفيلم بحجم يوسف شاهين.
إلا أن ما صاحب فيلم "هي فوضي" من جدل وخلافات قبل التصوير، وأثناءه وبعده، نتيجة تناوله لفساد وإجرام ممارسات أمنية، بالإضافة إلي حالة الغليان التي يعيشها الشارع المصري، نتيجة أمور عديدة يأتي علي رأسها تلك الانتهاكات الأمنية، جعل موضوع الفيلم يغطي علي تناول سائر عناصره الفنية، حتي وإن كان الموضوع يقدم من خلال هذه العناصر.
ولا عجب في ذلك فحتي اسم الفيلم "هي فوضي" طلبت السلطات إضافة علامة استفهام له، وذلك لأن الاسم بدون هذه العلامة يشير إلي حالة الفوضي التي تعيشها مصر، ولكن بعد إضافة علامة الاستفهام له يصبح مجرد سؤال وليس تقرير حال، وهذا التدخل يعبر عن ذكاء السلطة التي وجدت الحل في مجرد علامة استفهام!
أما أجمل ما في نهاية "هي فوضي" ليس في نهاية الفيلم التي اختلف حولها البعض، ولكن كانت في اتفاق غالبية المشاهدين ـ بدون تزوير ـ علي أنهم يعرفون جيدا تاريخ وممارسات وزراء الداخلية المصريين، وليس فقط ممارسات أمين الشرطة حاتم.